12‏/2‏/2010

حنين 1

كثيرا  ما يضربني أحدهم بالسؤال التالي :"لمن  ولما تحن في  بلدك "
إنه السؤال  المرّ ، الذي يؤدي إلى نزيف الذاكرة وجلطة الروح ، سأترك في هذه الرسالة كل ماله علاقة بالأرواح والأحياء لأتحدث  عن صخرة صماء أرى فيها من الحياة والروح ما لا يجتمع بجميع من يرددون هذا السؤال
ليست وجه بحار قديم  كما تقول الأغنية , إنها كل الوجوه وكل الأشياء  التي أسست للذاكرة الأولى ,  في عودتي الأولى  , من منفي الروح
كانت  السيارة تجتاز الطريق الممتد من المدينة باتجاه البلدة في منتصف كانون الثاني ، الوقت  الذي نكون فيه  على موعد شبه سنوي مع  عناق السماء للأرض ، وتحول كل الألوان إلى  نقاء الميلاد المجيد , حيث ترتدي تلك البلدة ثيابها الجديدة وتتحول إلى خلية  نحل لا تهدأ استعداداً للعيد ، تجاوزت السيارة مقابر كروم العنب التي كانت  تطيل في وداعك كما كانت تطيل في استقبالك عند العودة , تلك الكروم التي كانت تنتشر على جانبي الطريق , و كانت وقود أهل البلدة الروحية والمادية، وصلت إلى  مدخل البلدة  وقرأت على قوس النصر  ترحاب البلدة بكل من يصل إليها ، كانت العيون ترسل القبلات بكل الإتجاهات ، والرأتان تسحبان الأنفاس بقوة  ومتعة كأني لم أذق الهواء من  زمن بعيد ، يفصلني عن بيتي تلك الشارع الممتد من المدخل الجنوبي للبلدة إلى شمالها , تلك  الشارع الذي كان أحد أربعة شوارع مطلية بالإسفلت عندما كنت  أجلس إلى تلك الصخرة التي وصلت بي السيارة الآن إلى مكان إقامتها قبل أن  أصحو من تأملاتي  على صوت السائق يقف حائراً وهو يوجه حيرته لي
- إلي اليمين أم  إلى اليسار
_ اه ...... اليسا...... اليسار  ... ألم أقل لك اليسارن أم أنني أخطأت
-- عفواً يا سيدي ، لقت قلت اليسار حقيقة ، ولكنني لمحتك تحاول رفع نفسك عن المقعد وتنظر باتجاه اليمين
في الحقيقة كان البيت على بعد عشرات الأمتار باتجاه اليسار بعد عمود الكهرباء المحني  الظهر من قبل الحرب الأخيرة مع الإسرائيليين
أي منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عام ، وكانت  علي اليمين تلك الصخرة التي كنت أتصورها بل أثق بما لا يقبل الشك بأنها مركز هذا الكون , تلك الصخرة المثلثة الشكل التي كانت تقف في مركز الكون ، وكانت الموطن الذي حوى كل أفكاري وأحلامي الأولى
تلتهي أمي ، إن كانت ماتزال في البيت ولم تذهب مع جيع الكبار من الرجال والنساء إلى الحقل، تلتهي  بإفطار أخوتي الكبار للذهاب إلى المدرسة , وكنت أتسرب من الباب الصغير المركب وسط باب كبير يدخل الجمل بما حمل ، أذهب باتجاه الصخرة , أجلس عليها ،  أعزي نفسي بمراقبة وجوه  التلامذة القادمين إليها وأحلم أن اصبح كبيرا مثلهم لأقتحم باب المدرسة , ولم يكن  يفصلني عن تلك الحلم إلا سنة أو سنتين ليس  إلا ,  كل الطلاب سيمرون علي تقريبا ، حيث لم يكن يومها شمال صخرتي إلا العديد من البيوت والمدرسة
وبعد دقائق يختفي الجميع وأبقى أنا وصخرتي  مركز العالم , ويبدأ حديث الروح للأرواح يسري
_ هذا الولد يبدو عليه العجرفة والتعالي  لا احبه , اقول لها , فتقول لي
-- ولكنك تفتح سجل حضورك كل يوم  ولو تأخر في الحضور يوما ما  تبدأ بالبحث عن أسباب الغياب وتبحث له عن أعذار لغيابه
     تماما كما تفعل مع المعلم الطويل , الأشقر الشعر والأزرق العينين
وكان يسرقني الزمن وأنا أتأمل العالم في خيالي الصغير غير مصدق أن الأرض مكورة ككرة الثياب العتيقة التي يلعب فيها الأولاد ، بعد أن سمعت تلاميذ المدرسة يقولون بأن الأرض  كالكرة ، ولم يقبل عقلي الطفولي هذه النظرية ، لا لشيء وإنما لأن مركز الأرض يكون ظلاماً دامسا  , وأناتعودت على  أن يكون مركز الأرض  هو تلك الصخرة التي أتركها الآن وأنا في خوف عليها أن تخسر مركزيتها للكون على موعد معها قبل انتهاء الدوام وخروج التلاميذ

ليست هناك تعليقات: